في المملكة العربية السعودية، تُعد فترة التجربة من الركائز الأساسية في علاقة العمل، إذ تمثل فرصة حقيقية لكل من الموظف وصاحب العمل للتعرُّف عن قرب والتأكد من مدى الانسجام والقدرة على تحقيق الأهداف المشتركة. نظام العمل السعودي أعار هذه المرحلة أهميةً كبيرة، ونظمها من خلال مواد مفصّلة وواضحة؛ لضمان حقوق الطرفين وتحقيق أعلى معايير العدالة المهنية.
تعريف فترة التجربة
فترة التجربة هي فترة زمنية محددة يتم الاتفاق عليها مسبقاً بين الموظف وصاحب العمل في بداية العلاقة التعاقدية. خلال هذه المرحلة، يوضع الموظف تحت الاختبار العملي لتتمكن الإدارة من تقييم كفاءته، وللموظف فرصة لتجربة الوظيفة وبيئة العمل دون التزام دائم. يكون كلا الطرفين في هذه الفترة على دراية بأن القرار النهائي بالبقاء أو الانفصال لم يُحسم بعد.
أهمية فترة التجربة
لصاحب العمل:
- تقييم الأداء والكفاءة: تمنح فترة التجربة لصاحب العمل فرصة واقعية لمتابعة أداء الموظف والتأكد من ملاءمته لطبيعة المهام ومتطلبات العمل اليومية.
- خفض المخاطر التشغيلية: يُعد اختبار الموظف في البيئة الفعلية حلاً فعالاً لتلافي المشكلات الناتجة عن التوظيف غير المناسب، مما يحد من التكاليف المتعلقة بعدم الاستمرارية.
- تقنين الالتزامات المالية: يُمكن إنهاء العلاقة التعاقدية خلال التجربة دون الحاجة لتحمُّل التزامات مادية كبرى مثل مكافأة نهاية الخدمة، ما يؤمّن مرونة مالية للمؤسسة.
للموظف:
- اكتساب خبرة واكتشاف البيئة: هذه المرحلة تتيح للموظف اختبار بيئة العمل ومعرفة ثقافة المؤسسة، بالإضافة إلى صقل مهاراته وفهم متطلبات الوظيفة.
- حرية القرار المهني: لا يلتزم الموظف بعقد دائم خلال تلك المرحلة، ما يمنحه فرصة مراجعة قراره في اختيار الوظيفة دون آثار قانونية طويلة الأمد.
- تطوير الذات: فترة التجربة ساحة لصقل المهارات وتحقيق نقلة وظيفية حتى وإن لم يستمر في المؤسسة، مما يثري السيرة الذاتية.
الأنظمة المنظمة لفترة التجربة بحسب القانون السعودي
يرتكز تنظيم فترة التجربة في نظام العمل السعودي على نصوص قانونية دقيقة، أهمها:
- المدة المقررة: مدة فترة التجربة الأصلية تسعين يوماً كحد أقصى، ويمكن مدّها حتى 180 يوماً بشرط اتفاق الطرفين كتابةً.
- حساب الإجازات: العطل الرسمية وإجازات المرض لا تُدرَج ضمن فترة التجربة.
- إنهاء العقد: كُل طرف يمكنه إنهاء التعاقد في أي وقت خلال مرحلة التجربة دون تعويض، ما لم يُنص على خلاف ذلك في العقد.
- عدم تكرار التجربة: لا يجوز الخضوع لفترة تجربة مرة ثانية في نفس الوظيفة ونفس الجهة إلا إذا حدث انتقال إلى وظيفة جديدة أو انقضت ستة أشهر بعد العلاقة السابقة.
التحديات الشائعة في فترة التجربة
من الشائع ألا يجتاز جميع الموظفين هذه المرحلة بنجاح، وترجع بعض أهم الأسباب إلى:
- الأداء الأقل من المتوقع أو عدم الالتزام بالحضور والانضباط.
- ضعف القدرة على التأقلم مع ثقافة الفريق والمؤسسة.
- قصور في التواصل والاندماج الوظيفي.
- فقدان الحافز أو عدم ملاءمة الرؤية المهنية للشخص مع طبيعة العمل.
نصائح لاجتياز فترة التجربة بنجاح
- احرص دائمًا على المهنية في تعاملك ومظهرك.
- كن مبادرًا في التعلم وطلب المساعدة عند الحاجة.
- أظهر روح الفريق والمسؤولية وجاهزيتك لتحمل المهام الجديدة.
- ضع أهدافًا واضحة وقابلة للقياس، وراقب تقدمك باستمرار.
- فكّر خارج الصندوق وكن جزءاً من الحلول بدلاً من المشكلات.
دور المنشآت ومديري الموارد البشرية
لضمان استفادة كلا الطرفين من فترة التجربة، ينصح بأن تقوم المنشآت بما يلي:
- تحديد أهداف واضحة ومتطلبات دقيقة منذ استقبال الموظف واستعراض الدور المتوقع منه.
- توفير برنامج استقبال وتدريب يساعد الموظف على الاندماج والتعود على بيئة العمل بسرعة.
- تقديم تغذية راجعة باستمرار حول الأداء وسبل التطوير.
- تقييم الأداء بكل موضوعية بعيدًا عن الاعتبارات الشخصية.
- بناء بيئة عمل محفزة وتشجيع التعلم والتطور.
- معالجة ضعف الأداء بخطط تدريبية مرحلية قبل اللجوء إلى فسخ العقد.
تظل فترة التجربة بمثابة جسر عبور فعلي نحو علاقة عمل ناجحة، شرط استغلالها بأقصى قدر من الصراحة والوضوح والتطوير المتبادل حتى ينعم كل طرف بمزاياها الحقيقية ويقلل من مخاطرها.